قاتل الله الدَّين , همّ في الليل , وذلّ في النهار , وما من أحد دخل غماره إلا التاث بتداعياته العصيبة , إنه الشرّ الذي لابد منه , والمقت الذي يتبع الإنسان أينما حلّ أو ارتحل , فترى المديون منكسر النفس , له تنهيدة يطلقها بلا اختيار منه , بل تراه يطوّف بفكره وأنت تحدثه حديث المنتبه لك , فلا رعى الله الدنيا بشقاء بني آدم أبدًا .
لا أزال أعجب من أولئك المتساهلين به , فكأنهم يعيشون يومهم بلا غد , تراهم يثقلون كواهلهم بما ينوء بحملها الأثرياء , فإنك لمفتش عن حال أحدهم ؛ فتراه لا يحير جوابًا عن استطاعته السداد , وكأني به يهوى ترجيع الدعاء القائل : اللهم اقضِ الدَّين عن المدينين !
حدثني من أثق به - بلا لأي - عن صديق له طالما جمعتهما الأيام وعركتهما الحياة , فكانا معًا في تقلباتها وتلوّن صروفها , فلم يلبثا كثيرًا حتى جاء اليوم الموعود , فكان أن استلف منه ذلك المبلغ الزهيد , وحدد له أجلاً معلومًا كيما يرده إليه , فانخرم الموعد وأفل , وصديقه منقطع الوصل خوفًا من المطالبة , فخسر صاحبنا ماله , وخسر صديقه الذي لا يعوض بمال !
ليت صاحبي أخذ بقول كبير السن حين رفض تسليف صديقه , ولم يخشَ من زعله , حيث قال له : تزعل ومالي معي , خير لي من أن تزعل ومالي معك !
كم من صديق فقدناه بسبب من الدَّين , سواء كان مستدينًا أو دائنًا , فليتنا كنا بلا مال حين كان الحياء يمعنه عن الوصل ومال أحدنا معه , فتراه يتحرج من الوصل حين عجز عن السداد , فتضيع الصداقة , وتنقطع المودة , وتظل الأفئدة تارة تغلي عليه غليان الماء في القدر , وتارة تندب حظ الصحبة المنصرمة بانفراط ينقطع نظيره !
كأني بصاحبي لا يريد ماله , ولكن مطله إياه خرم وثائق الصحبة ذات القدم زمنًا , وذات العهود الموثقة تبيانًا , فما أثقل عليه شيء كما أثقل عليه سوء المطل , فكانت النيات متحيّزة إلى ما لم يخطر له ببال قط !